الصفـات التي هي كمـال باعتبـار ، ونقـص باعتبار تثبت لله حـال كمالها وتنفـى عنه حال نقصها

القاعدة الرابعة والخمسون

الصفـات التي هي كمـال باعتبـار ، ونقـص باعتبار تثبت لله حـال كمالها وتنفـى عنه حال نقصها

 

اعلم أن الصفات باعتبار نفيها عن الله تعالى وإثباتها له ثلاثة أنواع :

الأول : صفات هي كمال من كل وجه كالعلم والحياة والبصر والسمع والقدرة والقوة ، فهذه تثبت لله تعالى مطلقًا ليس في حالٍ دون حال .

الثاني : صفات هي نقص من كل وجه كالغدر والخيانة والظلم والعجز والفقر ، فهذه تنفى عن الله مطلقًا ليس في حالٍ دون حال .

الثالث : صفات هي كمال باعتبار ، ونقص باعتبار ، فهذه الصفات هي قاعدتنا ، فمذهب أهل السنة والجماعة أننا نثبتها لله تعالى حال كمالها ، وننفيهـا عنـه حـال نقصهـا فـلا نثبتها مطلقًا ؛ لأن فيها نقص والله منزه عن النقص ، ولا ننفيها مطلقًا ؛ لأن فيها كمال والله أولى بالكمال ، لكن يثبت ما فيها من الكمال وينفى ما فيها من النقص ، وحتى تتضح هذه القاعدة أذكر بعض الفروع عليها :

فمنها : صفة الكيد ، قال تعالى : } إنهم يكيدون كيدًا وأكيد كيدًا { ، فصفة الكيد كمال باعتبار ونقص باعتبار ، فهي نقص باعتبار الابتداء بها ؛ لأنها حينئذ ظلم ، وكمال باعتبار الجزاء والمقابلة فالله تعالى يكيد من كاد ولذلك لا تذكر هذه الصفة أعني الكيد منسوبة لله تعالى مطلقًا ، بل مقيدة بالذي يفعل ذلك كما في الآية السابقة ، فمن كاد للمؤمنين والأنبياء بغير حق فالله يكيد به ويرد كيده في نحره ، فهي باعتبار الابتداء ظلم ننفيه عن الله تعالى ، وباعتبار الجزاء والمقابلة عدل نثبتها له .

ومنها : صفة الخداع ، قال تعالى : } إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم { وقال تعالى :        } يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون { ، فصفة المخادعة نقص باعتبار وكمال باعتبار ، فهي نقص باعتبار الابتداء بها فلا يوصف الله بها حينئذٍ ، وهي كمال باعتبار الجزاء والمقابلة ؛ لأنها عدل فيوصف الله تعالى بها ، فلا تذكر صفة المخادعة مطلقًا وإنما مقيدة بمن يفعل ذلك .

ومنها : المكر ، قال تعالى : } ومكروا ومكر الله { ، فصفة المكر كمال باعتبار الجزاء والمقابلة كما في الآية ؛ لأنه جزاء بالجنس فهو عدل ، فيوصف الله تعالى به ، وأمل المكر بالناس بلا سبب أي ابتداءً فهو ظلم ، فلا يوصف الله تعالى به .

ومنها : الانتقام ، قال تعالى : } إن الله عزيز ذو انتقام { ، فصفة الانتقام كمال إذا كانت لمن يستحق ذلك ، فيوصف الله بها ، ونقص إذا كانت بلا سبب ؛ لأنها ظلم ، فينزه الله عنها .

والخلاصة : أن هذه الصفات وما شاكلها فيها مدح وفيها ذم ، فهي تثبت لله في حال المدح وتنفى عنه في حال الذم ، وفي ذلك يقول الناظم في منظومة الاعتقاد :

ولا يجـوز الوصف للخلاق               بالمكـر والـخداع بالاطلاق

بـل في مقـام المدح أثبتنْها                وفي مقـام الـذم فُـرَّمنهـا

ومثلـه يقـال في المنتـقم                  ..........................

جميع الحقوق محفوظة الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ وليد بن راشد السعيدان