الرئيسية قواعد دعوية

القاعدة التاسعة والعشرون :- الأصل في الوعظ التخول والإيجاز .

القاعدة التاسعة والعشرون :- الأصل في الوعظ التخول والإيجاز .

تاريخ النشر: الثلاثاء, 03 يناير 2017 - 18:47 مساءً | عدد المشاهدات: 638
تبليغ عن رابط معطوب

القاعدة التاسعة والعشرون :- الأصل في الوعظ التخول والإيجاز .

أقول :- إن النفوس قد جبلت على حب الاختصار ، ولذلك فإن من جملة ما اختص به النبي صلى الله عليه وسلم - وهو أكبر الدعاة على الإطلاق - أنه قد أوتي جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصارا ، والمتقرر عند عامة العقلاء أن خير الكلام ما قل ودل ، فالتطويل في موضع الإيجاز عيّ والعكس بالعكس ، فالأصل في الكلام الاختصار ، وهذا مهم في جانب الموعظة للداعية أيما أهمية ولذلك ففي الحديث " كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهية السآمة علينا ..." رواه البخاري ، وبوب عليه بقوله (باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة والعلم كيلا ينفروا) والتطويل في الكلام في المواعظ مما يوجب الملل ، ونحن معاشر الدعاة مأمورون بأن لا ننفر الناس ، كما قال عليه الصلاة والسلام " يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا " رواه البخاري(1) ، قال الحافظ في الفتح (والمعنى كان يراعي الأوقات في تذكيرنا ولا يفعل ذلك كل يوم لئلا نمل ) وقال رحمه الله تعالى (ويستفاد من الحديث استحباب ترك المداومة في الجد في العمل الصالح خشية الملال وإن كانت المواظبة مطلوبة لكنها على قسمين إما كل يوم مع عدم التكلف وإما يوما بعد يوم فيكون يوم الترك لأجل الراحة ليقبل على الثاني بنشاط وإما يوما في الجمعة ويختلف باختلاف الأحوال والأشخاص والضابط الحاجة مع مراعاة وجود النشاط) وكان ابن مسعود رضي الله تعالى عنه لا يجلس للموعظة إلا يوم الخميس ، وقال الحسن رحمه الله تعالى ( حدثوا الناس ما أقبلوا عليكم بوجوههم ، فإذا التفتوا فاعلموا أن لهم حاجات ) وعن علقمة أنه ( كان إذا رأى من أصحابه هشاشا - يعني انبساطا - ذكرهم ) بل إن الموعظة بقراءة القرآن في الصلاة هي أكبر المواعظ ، ومع ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتخفيف على الناس فيه ، فلأن يكون التخفيف في غيره من المواعظ من باب أولى ، و قال عمر (لا تبغضوا الله إلى عباده ، يكون أحدكم إماما فيطول عليهم ما هم فيه ، ويكون أحدكم قاصا ويطول عليهم ما هم فيه ) وفي الآداب للبيهقي (وَقَالَتْ عَائِشَةُ لِعُبَيْدِ بْنِ عُمَرَ : إِيَّاكَ وَإِمْلالَ النَّاسِ وَتَقْنِيطِهِمْ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : حَدِّثِ الْقَوْمَ إِذَا أَقْبَلَتْ عَلَيْكَ قُلُوبُهُمْ ، فَإِذَا انْصَرَفَتْ عَنْكَ قُلُوبُهُمْ فَلا تُحَدِّثْهُمْ ، قِيلَ : وَمَا عَلامَةُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : إِذَا حَدَّثُوكَ بِأَبْصَارِهِمْ فَقَدْ أَقْبَلَتْ عَلَيْكَ قُلُوبُهُمْ  فَإِذَا اتُّكِئَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَتَثَاءَبُوا فَلا تُحَدِّثْهُمْ ) وقال رحمه الله تعالى (وَرُوِّينَا فِي كَرَاهِيَةِ التَّطْوِيلِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) وقال النووي رحمه الله تعالى في الأذكار (بابُ استحبابِ الاقتصَادِ في الموعظة والعلم ) ثم قال رحمه الله تعالى (اعلم أنه يُستحبّ لمن وعظَ جماعةً أو ألقى عليهم عِلْماً أن يقتصدَ في ذلك ولا يُطوِّل تطويلاً يُمِلُّهم، لئلا يَضجروا وتذهبَ حلاوتُه وجلالتُه من قلوبهم، ولئلا يَكْرَهُوا العلمَ وسماعَ الخير فيقعُوا في المحذور ) وقال ابن رجب رحمه الله تعالى (وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يَعِظُ أصحابَه في غير الخُطَبِ الرَّاتبة ، كخطب الجمع والأعياد  وقد أمره الله تعالى بذلك ، فقال ] وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً [ وقال ] ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [ ولكنَّه كان لا يُديم وعظهم ، بل يتخوّلُهُم به أحياناً ) ومن المعلوم أن خطبة الجمعة مبنية على الموعظة ، ومع ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيها " إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه "(1) فتقصير الخطبة مع إتمامها من جملة الفقه ، وفي صحيح مسلم  عن جابر بنِ سمُرة قال : كنتُ أُصلِّي معَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فكانت صلاتُه قصداً ، وخطبته قصداً. وخرَّجه أبو داود ولفظه : كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لا يُطيلُ الموعظةَ يومَ الجمعة ، إنَّما هو كلمات يسيرات .وخرَّج مسلم من حديث أبي وائل قال : خطبنا عمارٌ فأَوْجَزَ وأَبْلغَ ، وكلام السلف رحمهم الله تعالى كان قليلا ، ولكنه غزير البركة ، وأما الغالب على كلام الخلف فهو الطول والتعمق والتشقيق ، ولكنه قليل البركة ، وقال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه ( باب الموعظة ساعة بعد ساعة ) قال في عمدة القاري ( أي هذا باب في بيان أن الموعظة ينبغي أن تكون ساعة بعد ساعة لأن الاستمرار عليها يورث الملل ) فهذا الأمر متقرر بالدليل والتعليل ، والنفوس لها نفور من التطويل لأنه يورث السآمة والإملال ، فإن طالت موعظة الواعظ فهو الأحق بالوعظ من غيره ، وقال صاحب كتاب البصيرة في الدعوة إلى الله ( فالموعظة الحسنة لا بد أن تكون مختصرة ، فالنفس البشرية لا تحتمل الإطالة ، ولا يمكن للعقل البشري التركيز في حالة الإسهاب غالبًا ، وهو أمر مشتهر ومعروف بالتجربة والعرب قديما تهرب من التطويل إلى الاختصار ، ومن الاستطراد إلى الاقتضاب ، والمقدم فيهم من يوجز الجملة ، ويضغط العبارة ، وهو منهج أكده الإسلام ، وأرشد إليه ، ونبه على ضده ) والمهم أن الاختصار والتخول في الموعظة من الأمور التي لا بد من الحرص عليها ، والداعية الموفق هو من ينتهي من موعظته والناس في شغف وتطلع للزيادة ، فمراعاة النفوس في جانب التطويل والإيجاز لا بد منه فالأصل في الدعوة هو التخول والإيجاز ما استطعت إلى ذلك سبيلا ، ولكن في بعض الأحوال إن اقتضى الأمر أن تطيل وكانت النفوس راغبة لا نافرة ، والقلوب لك مصغية والآذان لك سامعة، والأعين لك متجهة ، ورأيت أن المصلحة الشرعية في هذه الحال أن تطيل وتفصل ، فلا حرج ، ولكن لا تجعله ديدناً لك ، ولا عادة لك ، بل اجعل الأصل هو التخفيف ، واجعل التطويل في الأمر العارض والواعظ بالتخفيف يستفيد عدة أمور :-

الأول :- كسب قلوب المدعوين .

الثاني :- التحبيب في الموعظة ، وعدم كراهتها أو تثاقلها .

الثالث :- الترغيب في الجلوس والاستماع وعموم النفع .

الرابع :- تيسير الإلقاء وحفظ الكلمة ولم شمل عناصرها .

الخامس :- اتصال فهم السامع وعدم تشوشه بكثرة الكلام .

السادس :- إمكانية حضور أكبر عدد ممكن ، فإن الناس لا يتفلتون من المواعظ إلا إن أحسوا أن الواعظ قد أطال ، لا سيما المواعظ في المساجد .

السابع :- إقبال القلوب واشتياقها للموعظة، فإن الموعظة إن كانت غبا ، فإن الناس يزدادون لها شوقا.

الثامن :- عدم حبس الناس عن أعمالهم .

التاسع :- حتى لا يكون التطويل فتنة لبعض الناس فينفتح أمامه الباب ليتكلم في الوعاظ وأهل الدعوة إلى الله تعالى. 

العاشر :- أن الاختصار يوجب ضبط الموضوع من قبل الملقي ، فإن التطويل قد يوجب في الغالب تعدد الموضوعات والخروج من هذا الموضوع والدخول في آخر ، ثم العودة للموضوع الأول ثم الشروع في موضوع ثالث ورابع ، وهذا شيء معروف ، ومجرب .

الحادي عشر :- أن في الاختصار إحياء للسنة التي تكاد تنسى .

الثاني عشر :- أنه المتفق مع البلاغة والفصاحة والفطرة وميل النفوس .

الثالث عشر :- أنها أدعى لقبول الكلام والوعظ .

الرابع عشر :- أنه أبعد عن إحراج الواعظ ، فإن من الحضور من قد يكون جريئا ويتكلم على الواعظ ويأمره بالتخفيف ، وقد حصل هذا أمام عيني عدة مرات ، مما جعلنا في الجامع أن نكتب ورقة صغيرة أمام الواعظ بأن لا يتجاوز خمس دقائق ، حتى لا نقع نحن وإياه والحضور في الإحراج , فإن الواعظ إن تكلم عليه وعلى وعظه أحد الجماعة يأخذ فكرة عن جماعة هذا المسجد مما يجعله قد لا يقبل الوعظ فيه مرة أخرى ، ولا خير في مخالفة السنة . فأنا أرجو من أحبابي الدعاة مراعاة هذا الأمر ، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 

(1)  البخاري 1/171 في العلم ، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة ، ومسلم رقم (1734) في الجهاد ، باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير .

(1) رواه مسلم رقم (869) في الجمعة ، باب تخفيف الصلاة والخطبة ، وأبو داود رقم (1106) في الصلاة ، باب إقصار الخطب , أحمد (4/263) وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين .

التعليقات

لا توجد تعليقات على هذا المقال حتى الآن. كن أول من يعلق الآن!

شارك بتعليقك

مواضيع ذات صلة

القاعدة الخامسة والخمسون :- من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، والعكس بالعكس .

تاريخ النشر: الثلاثاء 6 ربيع الثاني 1438 هـ الموافق 3 يناير 2017 مـ
القاعدة الخامسة والخمسون :- من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، والعكس بالعكس . أقول :- وهي نص حديث في الصحيح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال " مَنْ دعا إلى هُدى كان له من الأجرِ مِثْلُ أجور مَنْ تَبِعَهُ لا ينقصُ ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ض ..

القاعدة الرابعة والخمسون :- إتيان المدعوين في محالهم مطلب في الداعية .

تاريخ النشر: الثلاثاء 6 ربيع الثاني 1438 هـ الموافق 3 يناير 2017 مـ
القاعدة الرابعة والخمسون :- إتيان المدعوين في محالهم مطلب في الداعية . أقول :- إن الداعية شأنه شأن الغيث ، ومن وصف الغيث أنه يدور في سماء البلاد لينزل الله تعالى به المطر النافع للبلاد والعباد ، فتخضر به أرضهم ، وتزدان به بلادهم ، فالداعية كالغيث ، لا بد وأن يسير في البلاد للدعوة إلى الله تعالى ، ..

القاعدة الثالثة والخمسون :- كشف الشبهات مسلك للوقاية من قبيح العمل والاعتقاد .

تاريخ النشر: الثلاثاء 6 ربيع الثاني 1438 هـ الموافق 3 يناير 2017 مـ
القاعدة الثالثة والخمسون :- كشف الشبهات مسلك للوقاية من قبيح العمل والاعتقاد . أقول :- لا يزال أهل العناد والجهل والكبر يجلبون بخليهم ورجلهم على هذه الشريعة المباركة بالتشكيك وبث الشبه بين العامة والخاصة ، وإن بث الشبه على الحق من المناهج الخطيرة التي قد خصص لها الكفار طائفة منهم ، لا هم لهم إلا ..

القاعدة الثانية والخمسون :- ضرب الأمثال وتقريب العلم من أصول الدعوة إلى الله تعالى .

تاريخ النشر: الثلاثاء 6 ربيع الثاني 1438 هـ الموافق 3 يناير 2017 مـ
القاعدة الثانية والخمسون :- ضرب الأمثال وتقريب العلم من أصول الدعوة إلى الله تعالى . أقول :- إن دعوتنا لا بد وأن تكون منبثقة من منهج القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة في تقرير المسائل ، سواء منها المسائل العقدية أو العملية أو الوعظ والترغيب والترهيب ، فالوحيان الكريمان المطهران قد ذكر فيهما جم ..

القاعدة الحادية والخمسون :- الترويح والترفيه لا بد وأن يكون مبنيا على الوسطية والاعتدال .

تاريخ النشر: الثلاثاء 6 ربيع الثاني 1438 هـ الموافق 3 يناير 2017 مـ
القاعدة الحادية والخمسون :- الترويح والترفيه لا بد وأن يكون مبنيا على الوسطية والاعتدال . أقول :- إن النفوس تمل ، وتحتاج إلى فترات من الترويح والترفيه ، فالترويح أمر مشروع في الإسلام ، ولا بد منه بين فترة وأخرى ، ليعيد للنفس نشاطها وحيويتها فتقبل على العمل بجد واجتهاد ، جاء في الحديث "روحوا ..